Skip to main content

مفهوم الإدارة بالأزمات

مفهوم الإدارة بالأزمات ـ علم صناعة الأزمة

إذا كانت إدارة الأزمة تعني كيفية التغلب عليها بالأدوات العلمية الإدارية المختلفة وتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها فإن قوام الإدارة بالأزمات هو افتعالها واتخاذها قناعاً لتغطية مشاكل الكيان الإداري وإخفائها فهي تفقد الاهتمام بها إزاء نظيراتها المختلقة والأشد تأثيراً ولذلك يطلق على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين ولا تحقق الأزمة المفتعلة أهدافها إلا إذا استوفت مواصفات أهمها الإعداد المبكر لها وتهيئة مسرح التنفيذ والتوزيع الدقيق للأدوار على منفذيها وتحديد التوقيت الملائم للتنفيذ وإيجاد مبرراته وذرائعه وللأزمة المدبَّرة إيقاعها السريع المتلاحق الذي يتسم بتراكم الإفرازات والنتائج وكل منها تعمل على تحقيق الهدف المراد تحقيقه وإذا لم يتحقق فلن يخف التأثير المصاحب لإفرازات الأزمة ولن تهدأ قوى صنع الأزمة أو لن تتراجع حتى يتحقق ذلك الهدف الذي يتمثل في الآتي:

  1. إخفاء المشاكل الرئيسية الموجودة بالفعل إذ إن الأزمة المفتعلة تصرف التفكير عنها.
  2. السعي إلى السيطرة والهيمنة على بعض المواقع أو المناطق تحت دعوى الحماية أو الخوف من اعتداءات أطراف أخرى.
  3. السعي إلى إجبار الأشخاص أو الجماعات أو الكيانات على اتخاذ مواقف دفاعية بدلاً من مواقفها الهجومية التي كانت تتخذها من قبل.
  4. الخروج من أزمات مزمنة يعانيها المجتمع.
  5. منع الأطراف الأخرى من استمرار تحقيق نجاحاتها.

على الرغم من أن الإدارة بالأزمة ليست عملية استراتيجية وإنما عملية هامشية تنتهي بسرعة وتحتاج إلى إعلانها السريع فإن كثرة أتباعها أصيب الكيان بالضعف وسيطرة القائد على الأمور سيطرة مستبدة فضلاً عن أن ثورة الاتصالات والمعلومات وازدياد الوعي أفقدا هذا الأسلوب تأثيره فبات استخدامه يحقق لا النتائج المطلوبة منه إلا في الكيانات التي يسيطر فيها القائد سيطرة كاملة على المجتمع.

 

 

أسباب نشوء الأزمات

الأزمة ما هي إلا فشل لمتخذي القرار إما بسبب خلل إداري أو خبرة محدودة أو عدم المعرفة وقد تكون بسبب تضافر هذه العوامل كلها أو بعضها ولذلك فإن تكرار الأزمات وتعددها يتطلبان تحديد أسباب نشوئها وخاصة أن لها مقدمات تدل عليها وظواهر متعددة ترافقها بداية من مرحلة نشوئها وحتى احتوائها وإيجاد حلولها الملائمة ولمراحل الأزمة المختلفة تداعياتها التي تُعد مقدمة لأحداث ومتغيرات عديدة تطرأ على الحاضر وتطاول المستقبل وتنتهي نتائجها إلى تغيير الموقف عما كان عليه قبل نشوء الأزمة وتتعدد أسبابها فتكون داخلية أو خارجية وأتعارض الأهداف والمصالح وتتمثل في الأتي:

سوء الفهم

الأزمات الناجمة عن سوء الفهم تكون دائما عنيفة إلا أن مواجهتها تكون سهلة وخاصة بعد تأكد سببها الذي غالباً ما يرجع إلى المعلومات الناقصة والتسرع في إصدار القرارات ولذلك تتضح أهمية الحرص على الدراسة الكاملة للمعلومات قبل إصدار القرار.

عدم استيعاب المعلومات بدقة

يشترط اتخاذ القرارات السديدة واستيعاب المعلومات وتفهمها بصورة صحيحة إذ إن الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة الشدة للكيان الإداري أو المشروع أو الدولة ناجماً عن انفصام العلاقة بين ذلك الكيان والقرارات المتخذة وعندئذ ستتفشى الارتجالية والعشوائية حتى تكونا أزمة اضمحلال الولاء والانتماء ويكون هناك مجال خصب لانتشار القِيم السلبية والقهر والتخاذل ويعم الفساد ما يؤدي انهيار الكيان.

سوء التقدير والتقييم

هو من أكثر أسباب نشوء الأزمات وخاصة في حالة الاصطدام العسكري الناشئ عن الإفراط في الثقة غير الواقعية واستمرار خداع الذات بالتفوق فضلاً عن سوء تقدير قدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه ما يسفر عن سوء تقدير للموقف برمته وتزداد التوازنات اختلالا إذا استغفل الطرف الآخر نظيره فعمد إلى حشد طاقاته والاستعداد الجيد للمواجهة التي يختار توقيتها الملائم ويحقق المفاجأة التي تصل إلى درجة الصدمة التي تفقد الطرف الأول توازنه فيختل تفكيره يلجأ إلى أساليب ارتجالية عشوائية تتمخض بأزمة مدمرة يصاحبها غالبا ضغوط عنيفة تطيح الكيان.

الإدارة العشوائية الارتجالية

هذا الأسلوب من الإدارة لا يسبب الأزمات فقط وإنما يساعد كذلك على تدمير الكيان نفسه ويكون باعثا على تحطيم قدراته وإمكانياته واستعداده لمواجهتها فالإدارة العشوائية تنبثق من الجهل وغياب النظرة العلمية الإستراتيجية وتشجع الانحراف والتسيب والتكالب على المكاسب المرحلية قصيرة الأجل ويجعل ذلك متخذ القرار شخصاً أجوف لا يؤمن بالتخطيط وأهميته كما يساعد على إشاعة الصراع بين مصالح الإدارة ومصالح العاملين في الكيان الإداري وتستبدل الإدارة العشوائية الرقابة الأمنية بالمتابعة العلمية الوقائية ما يشيع الإرهاب والخوف والتطاحن والتشابك ويصبح الكيان كله مرتعاً خصباً للفساد والإفساد واستباحة الموارد فتتولد أزمات عديدة من أهمها انخفاض معدلات الإنتاج وتدني مستواه وارتفاع معدلات دوران العمل وتعتري هذه الأزمات بعامة دول العالم النامي التي تفتقد الرؤية المستقبلية العلمية.

السيطرة على متخذي القرار

يحمل على هذه الرغبة الابتزاز وإيقاع متخذ القرار تحت ضغط نفسي ومادي واستغلال تصرفاته الخاطئة التي كان قد اقترفها وبقيت سِراً لإجباره على اجتراح تصرفات أكثر ضرراً تصبح هي نفسها مصدراً للتهديد والابتزاز ويُعد هذا الباعث جزءاً أساسياً من آليات صناعة الأزمة التي تستخدمها الكيانات العملاقة في تدمير الكيانات الصغرى لإجبارها على التخلي عن عقيدتها التنموية لتتحول إلى تابع هامشي.

اليأس

اليأس أزمة نفسية وسلوكية تشكل خطراً داهماً على متخذي القرار إذ تُحبطهم وتُفقدهم الرغبة في العمل والتطور والتقدم وتُسلمهم إلى حالة راتبه (الروتين) وتتفاقم الأزمة لتكون حالة اغتراب بين الشخص والكيان وتصل إلى قمتها بانفصام مصلحتيهما ويتضح ذلك في الأزمات العمالية الناتجة من ظروف العمل غير الملائمة وانخفاض الدخول وعدم مراعاة الإدارة للظروف الإنسانية وتتطلب مواجهة هذا النوع من الأزمات إشاعة جو من الأمل من خلال تحسين تلك الظروف وتأمين مكاسب العاملين.

الشائعات

هي من أهم مسببات الأزمات وبواعثها بل قد تكون مصدرها الأساسي إن وظفت مقترنة بعدة حقائق ملموسة وبأسلوب متعمد ومضلل وفي توقيت ملائم وفي إطار بيئة محددة ويتضح ذلك من خلال الأزمات التموينية وتلك العمالية الناجمة عن إشاعة تخفيض الأجور أو الاستغناء عن عدد من العمال وقد يسبب ذلك مظاهرات عمالية عنيفة تتطلب معالجتها حكمة بالغة تحّول دون تسببها بخسائر مادية وبشرية جسيمة.

استعراض القوة

تنتهج هذا الأسلوب الكيانات الكبيرة الرامية إلى تحجيم الكيانات الصغيرة الصاعدة وكذلك تلجأ إليه الكيانات الأصغر رغبة في قياس رد فعل الكيانات الأكبر حجما وبذلك تبدأ عملية استعراض القوة من دون حساب مسبق للنتائج فتولد الأزمة وتتفاقم مع تتابع الأحداث وتراكم النتائج.

الأخطاء البشرية

وهي أحد أسباب نشوء الأزمات سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل بل قد تكون عاملاً من عوامل نشوء كارثة تتوالد منها أزمات عديدة تكشف عن خلل في الكيان الإداري.

الأزمات المخطَّطة

وهي الأزمات المختلقة وقد تسمى تجوزاً في بعض الأحيان أشباه الأزماتSemi Crises  ومصداقها حادث خليج تونكين حيث مر زورقا طوربيد تابعان للقوات البحرية لفيتنام الشمالية بجوار مدمرتين أمريكيتين كانتا ترابطان فيه وعلى الرغم من أن ذلك لم يسفر عن أي تهديد أو خسائر للمدمرتَين إلا أن الرئيس الأمريكي جونسون تلقّفه ليفتعل أزمة كبرى تحمل الكونجرس الأمريكي على السماح له بالتدخل في فيتنام.

 

تناقض السبل

تنشأ الأزمة في هذه الحالة عن اختلاف طموحات منفذي القرار وأهدافهم وتعدد توجهاتهم فمنهم من يعمل على تنفيذ القرارات بسرعة وآخرون يتباطئون فيه وهو ما يفقد متخذ القرار رؤيته لما يدور داخل الكيان الإداري ويوقعه تحت تأثير تعارضهم لو حاول التوفيق بين الجانبين من خلال تغيير قراراته لأمسى الكيان الإداري متخبطاً مفتقداً وحدته الفكرية والعملية للكيان الإداري ما ينجم عنه أزمات غامضة لا يمكن تحديد أسبابها؛ فتضمحل الثقة بمتخذ القرار ومع استمرار محاولات التوفيق تتسع دائرة عدم المصداقية ويزداد الشك في القدرات وتتفاقم الأزمة.

تضارب المصالح

يُعد تضارب المصالح وتباينها من الأسباب الرئيسية لنشوء الأزمات سواء على المستويين المحلي أو الدولي بل على مستوى الوحدات الاقتصادية والإدارية كذلك فإذا تضاربت المصالح بين الكيانات أو الأشخاص برز الدافع إلى نشوء الأزمة إذ سيعمل كل طرف على خلق الأزمات للطرف الآخر وسيسعى كل منهما لاستمرار استفحالها وضغطها على الجانب الآخر وعلى الرغم من أنها تضر بكلا الطرفين إلا أن كلا منهما يتوخى أن يكون إضرارها بالآخر أشد وأفدح.

المبحث الثاني

أنواع الأزمات والمنهج العلمي لِسيرها

أنماط الأزمات الدولية

هناك متغيران أساسيان يحددان أنماط الأزمات الدولية وأبعادها هما قابليتها للتحكم وإمكانية حلّها حّلاً وسطاً وتزداد درجة قابليتها للتحكم كلما كانت بسيطة وغير مركبة أمّا الحل الوسط فهو رهن المصالح المشتركة لأطرافها وإن انتفت تلك المصالح تكون احتمالات احتواء الأزمة وحلها محدودة وتصنف الأزمات الدولية أربعة أنماط هى:

 

 

التلاعب

تتجسد أزمة التلاعب في مبادرة كل من طرفيها إلى استكشاف المدى الذي يمكن إجبار الطرف الآخر فيه على التخلي عن موقفه وغالباً ما يكون أطراف الأزمات دولاً وحكومات ومنظمات ذات مسؤولية دولية توفر لها المقدرة على التحكم في مسارها؛ وفي هذه الحالة يصعب تدخّل طرف ثالث في الأزمة ولو كانت حادّة إذ سيكون هناك إمكانية للتراجع والتراضي على حل وسط بل إن لم يتأتَّ ذلك الحل فإنه سيُجْتَنَب الصراع المسلح بين الدولتَين.

التوريط

ويتسم هذا النوع من الأزمات بمصالح مشتركة مهمة بين أطرافها الذين يتصرفون في إطار عدة ظروف يصعب التحكم فيها ما قد يحملهم على ردود فعل لم يستعدوا لها وقد ينجم عن تعدد الأطراف الفاعلة في الأزمة إيجاد نمط متغير للتحالفات يسفر عن تغيير لتقدير أهمية المصالح المشتركة فتزداد درجة التهديد وعلى الرغم من أن أزمات التوريط غالباً ما تمتد فترة زمنية طويلة نسبياً إلا أنها لا تتسم بالحدّة ومن ثم يكون هناك دائماً حلّ وسط لها.

حافة الهاوية

هي أشد الأزمات الدولية خطراً من حيث مستوى التهديد أو احتمال المواجهة المسلحة وتتسم بدرجة حدّة مرتفعة حيث لا توجد مصالح مشتركة أو تكون قليلة وتتصف في الوقت نفسه بدرجة كبيرة من القابلية للتحكم إلا أن الواقع يؤكد أهمية استعداد الطرف الذي يزيد من حدّة التوتر للدخول إلى مرحلة الصراع المسلح وإلا سيفقد مصداقية أي تهديد في المستقبل ويفقد مكانته الدولية.

التفاقم الجامح

تسبّبه عدة أزمات متعاقبة ومترابطة محركها الفاعل الأساسي أطراف غير رسمية تتمثل في المنظمات السرية أو أصحاب المصالح أو حتى الرأي العام ويتسم هذا النمط من الأزمات بالتعقيد نظراً إلى تعدُّد أطرافه الذين يُعَدّ تغيير أحدهم لمواقفه ضغوطاً على الأطراف الأخرى ومن ثم فهو يتكون من عدة أزمات متزامنة وغير مباشرة تتصف بمحدودية المصالح المشتركة وبعلاقات التنافس والتوتر لذا، فإن أطرافها عادة ما يكونون مستعدين لخوض نزاعات قد تنتهي إلى صراعات مسلحة.